کد مطلب:336068 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:248

کلام صاحب شرح العقیدة الطحاویة حول وصول الثواب للمیت
والعالم الثانی صاحب شرح العقیدة الطحاویة ابن أبی

العز فقد قال: قوله وفی دعاء الأحیاء وصدقاتهم للأموات " اتفق اهل السنة أن الأموات ینتفعون من سعی الأحیاء بأمرین؛ أحدهما ما تسبب إلیه المیت فی حیاته والثانی دعاء المسلمین واستغفارهم له والصدقة والحج علی نزاع فیما یصل الیه من ثواب الحج فعن محمد بن الحسن أنه إنما یصل الی المیت ثواب النفقة والحج للحاج وعند عامة العلماء ثواب الحج للمحجوج عنه وهو الصحیح واختلف فی العبادات البدنیة كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذكر فذهب أبو حنیفة وأحمد وجمهور السلف الی وصولها والمشهور من مذهب الشافعی ومالك عدم وصولها وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام الی عدم وصول شیء البتة لا الدعاء ولا غیره وقولهم مردود بالكتاب والسنة لكنهم استدلوا بالمتشابه من قوله تعالی: (و أن لیس للانسان الا ما سعی) و قوله: (و لا تجزون الا ما كنتم تعملون) وقوله: (لها ما كسبت و علیها ما اكتسبت) ولد صالح یدعو له أوعلم ینتفع به من بعده فاخبر أنه إنما ینتفع بما كان تسبب فیه فی الحیاة وما لم یكن تسبب فیه فی الحیاة فهو منقطع عنه واستدل المقتصرون علی وصول العبادات التی لا تدخلها النیابة بحال كالإسلام والصلاة والصوم وقراءة القرآن وأنه یختص ثوابها بفاعله لا یتعداه كما أنه فی الحیاة لا یفعله أحد عن أحد ولا ینوب



[ صفحه 90]



فیه عن فاعله غیره بما روی النسائی بسنده عن ابن عباس عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال لا یصلی أحد عن أحد ولا یصوم أحد عن أحد ولكن یطعم عنه مكان كل یوم مدا من حنطة. والدلیل علی انتفاع المیت بغیر ما تسبب فیه الكتاب والسنة والإجماع والقیاس الصحیح أما الكتاب فقال تعالی: (والذین جآءو من بعدهم یقولون ربنا اغفر لنا و لاخواننا الذین سبقونا بالایمان) فأثنی علیهم باستغفارهم للمؤمنین قبلهم فدل علی انتفاعهم باستغفار الأحیاء وقد دل علی انتفاع المیت بالدعاء إجماع الأمة علی الدعاء له فی صلاة الجنازة الجنازة والأدعیة التی وردت بها السنة فی صلاة الجنازة مستفیضة وكذا الدعاء له بعد الدفن ففی سنن أبی داود من حدیث عثمان بن عفان رضی الله عنه قال كان النبی صلی الله علیه وآله وسلم إذا فرغ من دفن المیت وقف علیه فقال استغفروا لأخیكم وأسألوا له التثبیت فإنه الآن یسأل وكذلك الدعاء لهم عند زیارة قبورهم، كما فی صحیح مسلم من حدیث بریدة ابن الحصیب قال كان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعلمهم اذا خرجوا الی المقابر أن یقولوا السلام علیكم أهل الدیار من المؤمنین والمسلمین وانا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافیة وفی صحیح مسلم أیضا عن عائشة رضی الله عنها سألت النبی صلی الله علیه وآله وسلم كیف تقول اذا استغفرت لأهل القبور قال قولی السلام علی أهل الدیار من المؤمنین والمسلمین ویرحم الله المستقدمین منا



[ صفحه 91]



ومنكم والمستأخرین وانا ان شاء الله بكم لاحقون. واما وصول ثواب الصدقة ففی الصحیحین عن عائشة رضی الله عنها أن رجلا أتی النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال یا رسول الله إن أمی افتلتت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها قال نعم وفی صحیح البخاری عن عبدالله بن عباس رضی الله عنهما أن سعد ابن عبادة توفیت أمه وهو غائب عنها فأتی النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال یا رسول الله ان أمی توفیت وأنا غائب عنها فهل ینفعها إن تصدقت عنها قال نعم قال فإنی أشهدك أن حائطی المخراف صدقة عنها وأمثال ذلك كثیرة فی السنة. واما وصول ثواب الصوم ففی الصحیحین عن عائشة رضی الله عنها أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال من مات وعلیه صیام صام عنه ولیه وله نظائر فی الصحیح ولكن أبوحنیفة رحمه الله قال بالاطعام عن المیت دون الصیام عنه لحدیث ابن عباس المتقدم والكلام علی ذلك معروف فی كتب الفروع. واما وصول ثواب الحج ففی صحیح البخاری عن ابن عباس رضی الله عنهما أن امرأة من جهینة جاءت الی النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقالت إن أمی نذرت أن تحج فلم تحج حتی ماتت أفاحج عنها قال حجی عنها أرأیت لوكان علی أمك دین أكنت قاضیته اقضوا الله فالله احق بالوفاء ونظائره أیضا كثیرة وأجمع المسلمون علی أن قضاء الدین یسقطه من ذمة المیت ولو كان من اجنبی ومن غیر تركته



[ صفحه 92]



وقد دل علی ذلك حدیث أبی قتادة حیث ضمن الدینارین عن المیت فلما قضاهما قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم الآن بردت علیه جلدته وكل ذلك جارعلی قواعد الشرع وهو محض القیاس فإن الثواب حق العامل فإذا وهبه لأخیه المسلم لم یمنع من ذلك كما لم یمنع من هبة ماله فی حیاته وابرائه له منه بعد وفاته وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصوم علی وصول ثواب القراءة ونحوها من العبادات البدنیة یوضحه أن الصوم كف النفس عن المفطرات بالنیة وقد نص الشارع علی وصول ثوابه الی المیت فكیف بالقراءة التی هی عمل ونیة. والجواب عما استدلوا به من قوله تعالی (و أن لیس للانسان الا ما سعی) قد أجاب العلماء بأجوبة أصحها جوابان؛ أحدهما أن الإنسان بسعیه وحسن عشرته اكتسب الأصدقاء وأولد الأولاد ونكح الأزواج وأسدی الخیر وتودد الی الناس فترحموا علیه ودعوا له وأهدوا له ثواب الطاعات فكان ذلك أثر سعیه بل دخول المسلم مع جملة المسلمین فی عقد الاسلام من اعظم الأسباب فی وصول تقع كل من المسلمین الی صاحبه فی حیاته وبعد مماته ودعوة المسلمین تحیط من ورائهم یوضحه أن الله تعالی جعل الإیمان سببا لانتفاع صاحبه بدعاء إخوانه من المؤمنین وسعیهم فإذا أتی به فقد سعی فی السبب الذی یوصل الیه ذلك الثانی وهو أقوی منه أن القرآن لم ینف انتفاع الرجل بسعی غیره وانما نفی ملكه لغیر سعیه وبین الأمرین فرق مالا



[ صفحه 93]



یخفی فأخبر تعالی أنه لا یملك إلا سعیه وأما سعی غیره فهو ملك لساعیه فإن شاء أن یبذله لغیره وان شاء أن یبقیه لنفسه وقوله سبحانه: (ألا تزر وازرة وزر أخری، و أن لیس للانسان الا ما سعی) آیتان محكمتان مقتضیتان عدل الرب تعالی فالأولی تقتضی أنه لا یعاقب أحدا بجرم غیره ولا یؤاخذه بجریرة غیره كما یفعله ملوك الدنیا والثانیة تقتضی أنه لا یفلح إلا بعمله لینقطع طمعه من نجاته بعمل آبائه وسلفه ومشایخه كما علیه أصحاب الطمع الكاذب وهو سبحانه لم یقل لا ینتفع إلا بما سعی. وكذلك قوله تعالی: (لها ما كسبت) و قوله:(و لا تجزون الا ما كنتم تعملون) علی أن سیاق هذه الآیة یدل علی أن المنفی عقوبة العبد بعمل غیره فإنه تعالی قال: (فالیوم لا تظلم نفس شیئا و لا تجزون الا ما كنتم تعملون). وأما استدلالهم بقوله صلی الله علیه وآله وسلم إذا مات ابن آدم انقطع عمله فاستدلال ساقط فإنه لم یقل انقطاع انتفاعه وانما أخبر عن انقطاع عمله وأما عمل غیره فهو لعامله فإن وهبه له وصل الیه ثواب عمل العامل لا ثواب عمله هو وهذا كالدین یوفیه الإنسان عن غیره فتبرأ ذمته ولكن لیس له ما وفی به الدین. وأما تفریق من فرق بین العبادات المالیة والبدنیة فقد شرع النبی صلی الله علیه وآله وسلم الصوم عن المیت كما تقدم مع أن الصوم لا تجزیء فیه النیابة وكذلك حدیث جابر رضی الله عنه قال صلیت مع



[ صفحه 94]



رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عید الأضحی فلما انصرف أتی بكبش فذبحه فقال بسم الله والله أكبر اللهم هذا عنی وعمن لم یضح من أمتی رواه أحمد وأبوداود والترمذی وحدیث الكبشین اللذین قال فی أحدهما اللهم هذا عن أمتی جمیعا وفی الآخراللهم هذا عن محمد وآل محمد رواه أحمد والقربة فی الأضحیة إراقة الدم وقد جعلها لغیره وكذلك عبادة الحج بدنیة ولیس المال ركنا فیه وانما هو وسیلة إلا تری أن المكی یجب علیه الحج إذا قدر علی المشی الی عرفات من غیر شرط المال وهذا هو الأظهر أعنی أن الحج غیر مركب من مال وبدن بل بدنی محض كما قد نص علیه جماعة من أصحاب أبی حنیفة المتأخرین وانظر الی فروض الكفایات كیف قام فیها البعض عن الباقین ولأن هذا اهداء ثواب ولیس من باب النیابة كما أن الأجیر الخاص لیس له أن یستنیب عنه وله أن یعطی أجرته لمن شاء. وأما استئجار قوم یقرؤون القرآن ویهدونه للمیت فهذا لم یفعله أحد من السلف ولا أمر به أحد من أئمة الدین ولا رخص فیه والاستئجارعلی نفس التلاوة غیر جائز بلا خلاف وانما اختلفوا فی جواز الاستئجار علی التعلیم ونحوه مما فیه منفعة تصل الی الغیر والثواب لا یصل الی المیت إلا إذا كان العمل لله وهذا لم یقع عبادة خالصة فلا یكون له من ثوابه ما یهدی الی الموتی ولهذا لم یقل أحد أنه یكتری من یصوم ویصلی ویهدی ثواب ذلك الی المیت لكن اذا أعطی لمن یقرأ القرآن ولعلمه ویتعلمه معونة لأهل القرآن علی ذلك كان هذا من جنس الصدقة عنه فیجوز وفی الاختیار لو أوصی بأن یعطی



[ صفحه 95]



شیء من ماله لمن یقرأ القرآن علی قبره فالوصیة باطلة لأنه فی معنی الأجرة انتهی وذكر الزاهدی فی الغنیة أنه لو وقف علی من یقرأ عند قبره فالتعیین باطل. وأما قراءة القرآن واهداؤها له تطوعا بغیر أجرة فهذا یصل الیه كما یصل ثواب الصوم والحج فإن قیل هذا لم یكن معروفا فی السلف ولا أرشدهم الیه النبی صلی الله علیه وآله وسلم فالجواب إن كان مورد هذا السؤال معترفا بوصول ثواب الحج والصیام والدعاء قیل له ما الفرق بین ذلك وبین وصول ثواب قراءة القرآن ولیس كون السلف لم یفعلوه حجة فی عدم الوصول ومن أین لنا هذا النفی العام فإن قیل فرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أرشدهم الی الصوم والحج والصدقة دون القراءة قیل هو صلی الله علیه وآله وسلم لم یبتدئهم بذلك، بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم فهذا سأله عن الحج عن میته فأذن له فیه وهذا سأله عن الصوم عنه فأذن له فیه ولم یمنعهم مما سوی ذلك وأی فرق بین وصول ثواب الصوم الذی هو مجرد نیة وامساك وبین وصول ثواب القراءة والذكر فإن قیل ما تقولون فی الإهداء الی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قیل من المتأخرین من استحبه ومنهم من رآه بدعة لأن الصحابة لم یكونوا یفعلونه ولأن النبی صلی الله علیه وآله وسلم له مثل أجر كل من عمل خیرا من امته من غیر أن ینقص من أجر العامل شیء لأنه هو الذی دل أمته علی كل خیر وارشدهم الیه. ومن قال إن المیت ینتفع



[ صفحه 96]



بقراءة القرآن عنده باعتبار سماعه كلام الله فهذا لم یصح عن أحد من الأئمة المشهورین ولا شك فی سماعه ولكن انتفاعه بالسماع لا یصح فإن ثواب الاستماع مشروط بالحیاة فإنه عمل اختیاری وقد انقطع بموته بل ربما یتضرر ویتألم لكونه لم یمتثل أوامر الله ونواهیه أو لكونه لم یزدد من الخیر. واختلف العلماء فی قراءة القرآن عند القبورعلی ثلاثة أقوال هل تكره أم لا بأس بها وقت الدفن وتكره بعده فمن قال بكراهتها كأبی حنیفة ومالك وأحمد فی روایة قالوا لأنه محدث لم ترد به السنة والقراءة تشبه الصلاة والصلاة عند القبور منهی عنها فكذلك القراءة ومن قال لا بأس بها كمحمد بن الحسن وأحمد فی روایة استدلوا بما نقل عن ابن عمر رضی الله عنه أنه أوصی أن یقرأ علی قبره وقت الدفن بفواتح سورة البقرة وخواتمها ونقل أیضا عن بعض المهاجرین قراءة سورة البقرة ومن قال لا بأس بها وقت الدفن فقط وهو روایة عن أحمد اخذ بما نقل عن ابن عمر وبعض المهاجرین وأما بعد ذلك كالذین یتناوبون القبر للقراءة عنده فهذا مكروه فإنه لم تأت به السنة ولم ینقل عن أحد من السلف مثل ذلك أصلا وهذا القول لعله أقوی من غیره لما فیه من التوفیق بین الدلیلین " [1] .



[ صفحه 97]



وبهذا أصل لنهایة هذا البحث فأسأل الله أن یفیدنی وینفعنی به وینفع من یرید وأسأله تعالی أن یجعله خالصا لوجهه الكریم إنه سمیع مجیب والحمد لله رب العالمین. بتاریخ 16 / 11 / 1426 هجری الموافق 18 / 12 / 2005 أبوحسام خلیفة عبید الكلبانی


[1] شرح العقيدة الطحاوية، ج 1، ص 511، ص 518.